Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Le Blog de Samih
11 avril 2007

أيقونة إسلامية – مسيحية يحرّم إخفاؤها

جريدة "النهار" الاربعاء 11  نيسان 2007 - السنة 74 - العدد 22970

أيقونة إسلامية – مسيحية يحرّم إخفاؤها

رائعة هي تلك الامسية المباركة التي اقيمت في مدرسة الجمهور احياء لذكرى ميلاد السيدة العذراء – عليها وعلى ابنها المسيح عيسى الصلاة والسلام – في عيد البشارة عند الطوائف المسيحية.
لربما هذه الامسية هي المرة الوحيدة في لبنان التي يتحقق فيها التلاقي الحقيقي بين الاسلام والمسيحية على الكلمة السواء، التي أمرنا القرآن الكريم كمسلمين ان نعمل لها في قوله تعالى (قُل يَأهْلَ الكِتَبِ تَعَالوْا الى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنا وبَيْنَكُم) آل عمران: 64.
اليست السيدة مريم كلمة سواء مثلها في التوراة والانجيل مثلها في القرآن؟
ولربما كان التلاقي ممنوعا خلال العقود الثلاثة الماضية بين الديانتين الاسلامية والمسيحية على ارض لبنان الرسالة، لتكريس الطلاق السياسي من خلال تسعير الخلاف الديني بين ابناء الوطن الواحد، ولذلك حصل هذا التلاقي بعد انفكاك كل القيود والحواجز والهواجس المصطنعة، يومها كان التلاقي من "المحرمات الوطنية".
مازحني احد الاصدقاء الذين استغربوا ما حصل، فقال: "لو ان هذا الاحتفال حصل ايام "العهد البائد" – على حد قوله – لجاء من يفرض عليكم ان تصلوا ركعتين على رؤوس الاشهاد بنية الدخول في الاسلام".!!!
لقد اتخذ المدير العام لدار الفتوى الشيخ الدكتور محمد نقري قرارا شجاعا، في التفكير بصوت عال والتخطيط مع نخبة من كوادر متخرجي مدرسة الجمهور، لاقامة هذا الاحتفال النادر حصوله في تاريخ الاسلام والمسيحية. والذي تضمن تلاوتين من القرآن الكريم من سورتي مريم وآل عمران، ورفعا للآذان وقراءة ما يشبه "المولد" عند المسلمين ومدائح للسيدة مريم، وثلاث محاضرات اسلامية لكل من الداعية المصري الشيخ خالد الجندي والشيخ الدكتور محمد نقري والسفير بسام طرباه، وكلمة وطنية لرئيس مؤسسة الامام شمس الدين ابرهيم شمس الدين، ودعاء اسلاميا – مسيحيا مشتركا، اعده الشيخ نقري، ممزوجة كلها مع ترانيم كنسية تمجد السيدة العذراء البتول وتتغنى بطهارتها وعفتها وبكرامتها من الرب العظيم الذي خصها بأن تكون المرأة الوحيدة بين كل النساء في الارض التي تلد من دون زوج، حتى قالت عنها الملائكة: (وإذْ قَالَتِ المَلَئِكَةُ يَمَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَكِ وَطَهَّرَكِ واصْطَفَكِ عَلَى نِسَآء العَلَمِينَ) آل عمران: 42.
كنت جالساً بسعادة في تلك الامسية الطيبة على مقعد خشبي والى جانبي وخلفي عدد من الرهبان والراهبات والكهنة والقساوسة، وكنت ارقب حركاتهم ومتابعتهم لما يجري، لارى رد فعلهم، فما وجدت الا صدى لما جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى (لتجدّن أشدّ الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدنّ أقربهم مودّةً للذين ءامنوا الذين قالوا إناّ نصرى، ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً وأنّهم لا يستكبرون) المائدة 82.
هذا المشهد الايماني الرقيق ذكّرني ايضاً بما حصل في الهجرة الاسلامية الاولى الى الحبشة، اذ ان النبي صلى الله عليه وسلم – لما فُتن اصحابه في مكة – اشار عليهم ان يلحقوا بأرض الحبشة حيث فيها ملك صاحب كتاب وعادل هو النجاشي (رحمه الله)، ولحق بهم عمرو بن العاص ليوشي بهم عند الملك وقال له انهم يقولون عن المسيح بأنه عبد، فرد جعفر على ذلك وشرح للنجاشي الحقيقة فقال: "كنا على دينهم – يعني دين اهل مكة – حتى بعث الله عزّ وجلّ فينا رسولاً نعرف نسبه، وصدقه، وعفافه، فدعانا الى ان نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئاً، ونخلع ما يعبد قومنا وغيرهم من دونه، وامرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر، وامرنا بالصلاة، والصيام، والصدقة، وصلة الرحم، وكل ما يعرف من الاخلاق الحسنة، وتلا علينا تنزيلاً جاءه من الله عزّ وجل لا يشبهه شيء غيره، فصدقناه وآمنا به، وعرفنا ان ما جاء به هو الحق من عند الله عز وجل، ففارقنا عند ذلك قومنا وآذونا وفتنونا، فلما بلغ منا ما يكره، ولم نقدر على الامتناع، امرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالخروج الى بلادك، اختياراً لك على من سواك لتمنعنا منهم. فقال النجاشي، هل معكم مما انزل عليه شيء تقرأونه علي؟ قال جعفر: نعم، فقرأ كهيعص (صورة مريم) فلما قرأها، بكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكى اساقفته حتى اخضلت مصاحفهم، وقال النجاشي: "ان هذا الكلام والكلام الذي جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة".
وقريب من هذا ايضاً قول ورقة بن نوفل – وهو نصراني – لما جاءت السيدة خديجة برسول الله بعد نزول اول الوحي عليه اذ قال: "هذا الناموس الذي انزل على موسى".
وليس ببعيد عنه ما حصل بين نصارى لبنان والخليفة العباسي، وموقف الامام الاوزاعي من ذلك في ما ذكره صاحب "فتوح البلدان" البلاذري وغيره من المؤرخين، عما لحق بالنصارى في جبل لبنان ايام الوالي العباسي صالح بن علي بن عبدالله بن عباس، عندما شرّد اهل القرى واجلاهم عنها رغم عدم اشتراكهم في الفتنة، ثم كيف ان امام اهل الشام الاوزاعي رحمه الله، لم يرض بما حل بهم، ولم يسكت عن هذا الظلم، فما كان منه الا ان ارسل رسالة الى الوالي يقول فيها: "... كيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم واموالهم؟ وحكم الله تعالى: (الا تزر وازرة وزر اخرى)، واحق الوصايا ان تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه قال: "من ظلم معاهدا اوكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه".
ان احتفال الجمهور جسّد جانبا من الكلمة السواء التي يجب ان نلتقي حولها ونجتمع عليها، وهي تلك المشكاة الواحدة التي تحدث عنها النجاشي، وهو بذلك ايقونة اسلاميةمسيحية يحرم اخفاؤها، بعدما عمل على اخفائها واخافة الناس منها الكثير من بلاطسة العصر وجلاديه، الذين يكرهون كل ما يمت الى الايمان الحقيقي بصلة.
كم شعرت بغضب من سياسة التجهيل المتعمد التي كانت سائدة، والتي طال امدها كثيرا، والتي يجب ان تزول، لأن الانسان فعلا عدو لما يجهل، ولقد نجحوا في تكريس واقع العداوة بين المؤمنين من الناس، وكم عزّ عليّ عدم حضور اولادي هذه الامسية، خصوصا عندما قال الداعية الجندي: "انه كان يتمنى لو ان بناته حضرت الامسية"، لأنني كنت اعيش تلك اللحظة.
ما احوجنا اليوم الى ترسيخ قواعد الحوار والعيش المشترك بشكل ميداني وبجرأة وبسرعة بين اللبنانيين، وليس فقط اقتصاره على النخب، بل لا بد من تعميمه على الناس في المدارس والجامعات والمنتديات واللقاءات والمؤتمرات وفي الشوارع وفي السلوك الوطني العام، بل والمطالبة بأن يكون هناك عيد ديني رسمي يحتفل به المسلمون والمسيحيون معا. وهذه الامنيات اتقدم بها الى الاستاذ محمد السماك الامين العام للجنة الحوار الاسلامي – المسيحي في لبنان لتحقيقها والعمل على بلورتها بقالب ايماني وطني جامع، والله من وراء القصد.

الشيخ بلال الملا

 

Publicité
Commentaires
Publicité
Publicité